الأمية وبكل أنواعها تشكل عائقا أساسيا يحـول دون القضاء على التخلف وحاجزا منيعا أمام الإنسان لبلورة وتوظيف كل إمكاناته وقدراته لتحسين أوضاعه والمساهمة في تطوير محيطه. فالأمية بهذا المعنى تحد من فرص النمو الفردي والجماعي، وتسهم في بطء وثيرة التنمية الشاملـة، وذاك ما يستدعي إعادة ترتيبهـا علـى سلم الأولويات التي يجب معالجتها بجرأة وبمنهجية مبتكرة تنفتح على التجارب العالمية الناجحة وتستوعب الخصوصيات المحلية والجهوية والوطنية.
في هذا السياق فمواجهة الأمية قصد محوها في ظل الوضعية الحالية للمغرب لا يمكن أن تقتصر على فئة اجتماعية دون أخرى، فهي مسؤولية ملقاة على الجميع. فالانشغال بها يعتبر بمثابة تعبير صريح للمساهمة في بناء وتجسيد المشروع المجتمعي الحداثي الذي يسعى المغرب إلى تحقيقه مع بداية الألفية الثالثة. موضوع محاربة الأمية موضوع شائك تتداخل فيه عدة عوامل مما يجعل مواجهته تقتضي مقاربة شمولية بعيدة كل البعد عن النظرة التجزيئية والتبسيطية لموضوع شائك ومعقد.. إن المسألة ليست قضية فشل أو نجاح تجربة بقدر ماهي إرادة واضحة لمواجهتها ووعي قوي بمخاطرها وبآثارها السلبية على مختلف مناحي الحياة. هذا الوعي يقتضي الإيمان الراسخ بأنه: لا يمكن القضاء على مختلف أنواع التخلف بكل تمظهراته من بناء مجتمع ديموقراطي وتحديث المجتمع وجعل حد للفساد والتزوير والرشوة ووضع أسس مجتمع المعرفة ومواجهة ضغوطات العولمة إلا بمحاربة الأمية. أبرز الأخطاء التي ارتكبت، وفوتت على المغرب التحرر الكلي من الأمية فيمكن إجمالها فيما يلي:
عدم الالتزام بتعميم التعليم حسب ما كان محددا في المخططات الاقتصادية، حيث كان من المفروض أن يتم ذلك سنة 1965.
التوقف المفاجيء للعصبة المغربية للتربية الأساسية ومحاربة الأمية عن أشغالها بعد تجربة رائدة دامت من سنة 1956 إلى سنة 1962 والتي حددت بدورها سنة 1965 موعدا للقضاء النهائي على الأمية وذلك في إطار تصور متكامل مع وزارة التربية الوطنية.
ضعف العناية ببعض القضايا الاجتماعية ومن بينها على الخصوص محاربة الأمية ضمن المخططات الاقتصادية منذ منتصف الستينات إلى بداية التسعينات مما جعل الأمية تتفشى بشكل كبير بين مختلف الفئات العمرية.
عدم إشراك الجمعيات منذ البداية في تنفيذ برامج محاربة الأمية إن الكل ببلادنا غير راض عن المراتب التي يحتلها المغرب في سلم التنمية البشرية. فأحيانا نرتب في المرتبة 124 ومرة أخرى في المرتبة 127 ومؤخرا كانت رتبتنا 126.ويأتي المغرب أمام مجموعة من الدول التي نعتبرها أقل نموا منا مما شكل مفاجأة كبيرة لكثير من المغاربة خاصة وأن مجهودات كبيرة قد بوشرت في السنوات العشر الأخيرة في مختلف مناحي التنمية ببلادنا. فهذه الرتب تحسب من خلال المقارنة بين الدول المعنية بهذا الترتيب, وعددها 127 دولة، في نسب التمدرس والمستفيدين من الخدمات الصحية ومستوى الدخل الفردي. وهكذا يتضح أن نسبة الأمية كلما ارتفعت كلما اثر ذلك سلبا على ترتيبنا في سلم التنمية البشرية. والمغرب يعمل جاهدا بفعل مختلف الأوراش المفتوحة خاصة في مجال المبادرة الوطنية للتنمية البشرية التي يقودها جلالة الملك محمد السادس نصره الله في جعل المغرب يحتل المرتبة اللائقة به والتي يستحقها فعلا في سلم التنمية البشرية. وهكذا فإن مختلف المخططات التي يضعها المغرب للنهوض وإصلاح المنظومة التربوية تروم دائما التقليص من نسب الأمية ببلادنا.
صحيح أن نسبة الأمية تعتبر من بين المؤشرات الدالة على حسن أو سوء الأداء التعليمي. فكلما كان الأداء التعليمي رديئا كلما كانت المردودية ضعيفة. وبالتالي فانعدام الجودة أو ضعفها في التعليم هو الذي يؤذي لامحالة إلى الانقطاع عن الدراسة والهذر والفشل الدراسيين وبالتالي السقوط في أحضان الأمية لعدد كبير من المتمدرسين. لذلك فكلما تم الاستثمار بشكل جيد ومعقلن في مجال جودة التعليم كلما ساهمنا بشكل كبيرفي التصدي للأمية. إذن هناك علاقة وطيدة بين نوع التعليم السائد في مدارسنا وبين انتشار الأمية.إلى جانب نوعية التعليم وعلاقتها بالأمية نشير كذلك إلى سبب آخر لا يقل أهمية في انتشار الأمية ببلادنا وهو انتشار الفقر والهشاشة بين عدد لايستهان به من أفراد المجتمع خاصة في البوادي والأحياء المهمشة. وظاهرة الفقر هذه تؤثر سلبا على المردودية الدراسية وعلى الاستمرار بدون انقطاع في الدراسة. وغالبا ما تشكل الملابس والأدوات المدرسية من بين العوائق التي تحول دون إرسال الأسر المعوزة لأبنائها إلى المدرسة مما يؤدي غالبا إلى تفشي الأمية بشكل كبير في صفوفها. وحتى تتمكن هذه الفئات من الاستمتاع بحقها الطبيعي في الذهاب إلى المدرسة فقد أعلن جلالة الملك في إطار المخطط الإستعجالي للتربية والتكوين عن مبادرة ملكية سامية لمساعدة الأطفال المعوزين في مصاريف الدخول المدرسي وفي هذا السياق أعلن جلالته في خطاب 20 غشت عن توزيع مليون محفظة على مختلف الأطفال المتمدرسين المنتمين إلى الأسر الفقيرة. وبدون شك فإن هذه المبادرة النبيلة ستسمح لعدد كبير من الأطفال بالالتحاق بأقسام الدراسة مما سيساهم بشكل كبير في التقليص من الأمية.وبالتالي فالقضاء على الأمية يتطلب عملا جماعيا ورؤية واضحة وإجراءات عملية سريعة. ومن بين هذه الإجراءات ما يلي:
- تشخيص حقيقي لوضعية الأمية ببلادنا حسب الفئات العمرية وحسب الجهات؛
- تجفيف المنابع الأصلية للأمية وذلك بتسريع وثيرة تعميم التعليم والرفع من جودته؛
- إتباع المقاربة التشاركية في تصور وإعداد وتنفيذ وتتبع وتقويم برامج محاربة الأمية لتجاوز المقاربة الإدارية السائدة؛
- وضع برامج لمرحلة ما بعد الأمية؛
- جعل حد للانقطاع عن الدراسة والهذر المدرسي؛
- فتح أقسام خاصة للمنقطعين عن الدراسة؛
- تطوير الشراكات مع مختلف الجمعيات ومختلف الفاعلين؛
- إحداث أقسام قارة داخل مجموع المؤسسات التعليمية، ومؤسسات التكوين، والجامعات، وداخل المصانع والمقاولات، وأوراش العمال بمختلف أنواعها، من خلال برامج متواصلة، ومتراصة تستهدف القضاء على الأمية الأبجدية، موازاة مع الأمية التوعية، في إطار برنامج وطني متكامل؛
- خلق قناة تلفزية وإذاعية خاصة بمحو الأمية بجميع أشكالها وبجميع اللغات واللهجات لتعميم الاستفادة منها بفعل التأثير القوي والمباشر لوسائل الإعلام والاتصال؛
- دعوة كافة وسائل الإعلام الوطنية المكتوبة إلى المساهمة في المجهود الوطني للقضاء على الأمية بتخصيص صفحات خاصة بهذا المجال حتى تكون التعبئة شاملة، وعلى كافة المستويات؛
- دعوة كافة الأطر التربوية المستفيدة من المغادرة الطوعية وغيرهم إلى الإسهام والانخراط في برامج محو الأمية؛
- التنسيق بين مختلف المتدخلين في مجال محاربة الأمية؛
- ربط برامج محو الأمية ببرامج التكوين المهني؛
- تشجيع المستفيدات والمستفيدين من برامج محاربة الأمية على الانخراط في مشاريع مدرة للدخل؛
- إدماج المستفيدات والمستفيدين من برامج محاربة الأمية في برامج المبادرة الوطنية للتنمية البشرية؛
- تشجيع البحث العلمي في إيجاد الحلول لمعضلة الأمية ببلادنا؛
- تشجيع رؤساء الجهات والجماعات المحلية ومختلف المنتخبين للمساهمة بقوة في محاربة الأمية وذلك بتخصيص جزء مهم من ميزانياتها لإنجاز برامج متنوعة في محاربة الأمية؛
- إنتاج وسائل ديداكتيكية ملائمة لخصوصيات الفئات المستهدفة؛
- إدخال المعطيات الجهوية والمحلية في برامج محاربة الأمية؛
- اعتماد منشطين متخصصين في مجال تعليم الكبار ومحاربة الأمية؛
- جعل المقاولة منفتحة على برامج محاربة الأمية من حيث التمويل والتنفيذ والتقويم؛
- تهيئ برامج حسب الفئات المستهدفة وذلك باعتماد مراحلهم العمرية؛
- خلق تحفيزات مختلفة سواء بالنسبة للمستفيدين والمنشطين ومختلف المتدخلين في تمويل وتنفيذ برامج محاربة الأمية خاصة المقاولات؛
- خلق مراكز جهوية لتكوين المنشطين ومختلف المتدخلين في تنفيذ برامج محاربة الأمية؛ وضع صيغ تعاقدية محفزة ومضمونة للمنشطين العاملين في مجال محاربة الأمية