لاشك أن الفساد من أهم الرزايا التي تثقل الدول الطموحة لتحقيق التقدم والتطور في مجال تحقيق الرفاهية للمواطنين ومنافسة الدول الأخرى في التقدم والتطور.. وقد ابتليت بلادنا بأنواع من الفساد المالي والإداري ....والذي أثر بدوره بشكل مباشر على كل المسارات التي تدعي الدولة أنها وضعتها وتضعها من أجل التنمية والخطط الطموحة ....
إن هدف كل فساد هو بلا شك الاستيلاء على المال العام ومال الغير بغير حق ، والاغتناء بدرجة وبسرعة لا يمكن للكسب المشروع أن يضمنها ، فالعديد من المؤشرات والدراسات تشير أن الفساد بالمغرب بات يشكل خطورة ، ليس على التنمية الاقتصادية بالمغرب فحسب ، بل حتى على الاستقرار السياسي والمجتمعي برمته على اعتبار أن الفساد يسهم في تعميق الهوة بين الطبقات ، ويضيع على خزينة الدولة الملايير من الدراهم ، ويفرز واقعا اجتماعيا يتسم بتراجع مؤشر التنمية البشرية وتنامي معدلات الفقر والبطالة.....
إن الجميع يعترف ان هنالك فساد فضيع ينخر كل مؤسسات البلاد سواء كانوا من المسؤولين أوالموالين للحكم أومن معارضيه بشتى تلاوينهم السياسية والايديولوجية ، ، ومما لا يستطاع انكاره وجود سوء في توزيع الثروة وطبقية صارخة وعطالة واسعة وفقر مدقع ، بالإضافة إلى عدم وجود بنية تحتية ولو لتصريف قطرات مياه الامطار البسيطة التي كثيرا ما تسببت بقتل المئات من المواطنين البسطاء .....
يتحدث الناس عن الفساد في كل مكان حتى في الصحافة الرسمية. ويتنافس الكتاب في التنبيه على خطورة الفساد والتلاعب باموال الدولة وانتشار الرشوة والعمولات الضخمة الخ ... ولا اعتقد ان احد ينفي وجود هدا المستوى الخطير من الفساد المالي والاداري حيث كشفت وما تلبث تكشف ترانسبرانسي الدولية وهيأة حماية المال العام والعديد من المنظمات دات الصلة بموضوع الفساد أن الكلفة السنوية للفساد في الصفقات العمومية بالمغرب تعد بملايير الدراهم ، وأوردت مختلف التقارير الإعلامية أن المغرب صنف في المرتبة السادسة قاريا ضمن البلدان المصدرة للمال غير الشرعي ....وتخسر خزينة الدولة ميزانية كبيرة نتيجة اقتصاد الريع المرتبط بنظام الرخص
والامتيازات، وتبقى كلفة هذا الاقتصاد مرتفعة، وهي بقدر ما تضيع على المغرب مبالغ كبيرة، بقدر ما تحد من عجلة التقدم السوسيو اقتصادي وتسهم في عدم تكافؤ الفرص.
لكن السؤال هو اذا اردنا ن نعالج الفساد، اليس من المنطقي أن نعرف من هو المسؤول الحقيقي عن الفساد؟
اليس من المنطقي أن نعرف اسباب الفساد؟
اليس من المنطقي أن نعرف الظروف التي أوجدت الفساد؟
واذا اردنا ان نكون اكثر وضوحا نوجه الأسئلة التالية:
هل المسؤول عن الفساد هو بمستوى الملك أوبمستوى الوزيرأو بمستوى العامل والوالي و المدير العام ، أوالمسؤول عن الفساد هومن دون هؤلاء جميعا ....؟؟
هل اسباب الفساد عائدة لسياسة الدولة العليا أو لتصرفات جانبية فردية ...؟؟؟
هل الظروف التي صنعت الفساد هي ظروف اجتماعية لها علاقة بتربية الناس ، أو ظروف سياسية لها علاقة بصاحب القرار...؟؟
إن الفساد في المغرب ليس أمرا جديدا ، فهو ولد من رحم منظومة قائمة منذ عقود ، فالفساد هو بمثابة الإبن الشرعي لهذه المنظومة ، ترعاه وتنميه وتحميه من محاولات الحد منه.وهذه المنظومة هي بيئة خصبة للفساد بكافة أنواعه وأشكاله تنمو وتتمدد فتحتوي كافة مفاصل الدولة وشئون المواطن في حياته ومعاشه وحقوقه....إن الفساد ، بالتأكيد ، هو سوسة تنخر الدولة وكل مؤسساتها وتجعلها آيلة للسقوط ... فمؤسسات القطاع العام ، من ماء وكهرباء ومعادن وشركات كصوديا وسوجيطا وكل القطاعات الاقتصادية والاجتماعية التي كانت تسيرها الدولة نعلم أن مردوديتها انخفضت كثيرا قبل خوصصتها وأن اغتناء رؤساء المصالح بها أصبح ظاهرة عادية. وهكذا ظهرت
قضايا مثل قضية الخطوط الملكية المغربية والقرض العقاري والسياحي والقرض الفلاحي والصندوق الوطني للتقاعد... هذه المؤسسات التي نهبت عن آخرها. لكن
الغريب في الأمر والذي يدل على أن الفساد صار هو قانون هذا المجتمع وأخلاقه هو أن هذا المال العام الذي نهب لم تتدخل أية سلطة من أجل إرجاعه بالطرق القانونية ومعاقبة الجانين ، على الأقل بإرغامهم على إرجاع المال المنهوب ولو وضعوه في حساب أبنائهم أو زوجاتهم....
بل الأمر مخيف ومفجع أكثر لأن هذا فقط ما وصلت إليه عيون كل مؤسسات مراقبة المال العام الوطنية والدولية ، فكم من " مليار " يا تُرى لم تترصده هده المؤسسات بسبب محدودية صلاحياتهم وإمكاناتهم بوجود جهات لا تشملها المراقبة ، أو لأن هناك مليارات تختفي بشكل جيّد حتى لا تستطيع أن تراها بالعين المجردة .. ولا حتى بالمجهر !
هدا إضافة إلى أن بعض الموظفين والمسؤولين يعتقدون واهمين أن تعيينهم تشريفا لهم ولمنطقتهم أو أسرهم أوأقاربهم ( آل الفاسي ....) ، لاتكليفا لخدمة الدولة وأبناء الأمة ، فيختزلون الوطن في معارفهم وأبناء قريتهم ( الهمة ...) ، فأساءوا استخدام السلطة وخانوا الأمانة وقسموا أبناء الشعب المغربي بين أحباب وأصحاب و( برانيين ) وأجانب ، أصحاب يتم تقريبهم وتمكينهم ، وأجانب يتم تجاهلهم وتهميشهم حتى وإن خدموا الوطن والأمة .... ناشرين بدلك ثقافة القرية في ديوان الوزارة والإدارة ...
إن هؤلاء ، مهما كانت مناصبهم ، بحاجة إلى لجنة تقصي الحقائق ، لمحاسبتهم وتقديمهم للعدالة، فقد أضروا بمصلحة الدولة والوطن ، بل إن أضرارهم أكبر من فواجع الزلازل والفيضانات والكوارث الطبيعية ، فضحاياهم أكبر، وخسائرهم أشمل ....
فلمادا لا تكون هناك آلية وأنظمة وعقوبات صارمة تمنع مثل هده الجرائم وتقوم بفصل هدا المسؤول أو داك من هؤلاء اللصوص وذلك لسرقته لكذا مليون من
أموال الشعب ؟! ألا يوجد لدينا ولو "مسؤولا" واحدا يستحق أن يُشهر به علانية لسرقته أو لإهداره لأموال الناس والبلد؟!
وفي ظل هكدا وضع فاسد حتى المواطن الحر الشريف الذي قد يشاهد بأم عينيه فساداً قد لا يجرؤ عن التبليغ عنه ، لأن منظومة الفساد الواسعة والمعقدة في المغرب قد تكون قادرة في أغلب الأحوال على حماية نفسها ومعاقبة هذا المواطن بممارسة مختلف أشكال التعسف في إستخدام السلطة أو بمضايقته في عمله وممارسة الإرهاب الوظيفي مثلاً إذا كان الفساد في إطار عمله، وهذا يحدث كثيراً بسبب غياب منظومة متكاملة تضمن توفيرالحماية القانونية والقضائية للمواطن الذي يحاول مجابهة الفساد بدلاً أن يصمت عنه أو يصبح جزء منه....
ولأن ارقام للتخلف والفساد والضياع اكثر فلكية من كل الارقام في العالم في مغرب جديد يحكمه اللصوص والخونة والمجرمين ... فالحاجة ماسة اليوم إلى منح المواطن حقه في المراقبة والمحاسبة من خلال المشاركة الشعبية في إطار دولة الدستور وفصل السلطات الثلاث و القانون والقضاء المستقل ومؤسسات المجتمع المدني وحريات التعبير عن الرأي في ظل نظام يحمي المواطن لا يكمم فمه .... و أي محاولة لمواجهة الفساد لا تتجه خارج هذه المنظومة إلى الأدوات والوسائل للدولة الحديثة سوف تكون معرضة للفشل بشكل كبير.
الأمر الذي يعني عمليا تدشين مرحلة جديدة (علنية) في الحياة الإدارية المغربية، وهي مرحلة المحاسبة (لا مسؤولية دون محاسبة) وهو الأمر الطبيعي الذي يجسد سنن الحياة والدول... وهدا أضعف الإيمان
وفي هدا الإطار هناك من يقول أن محاربة الفساد يجب أن يكون أولوية قبل كل مشروع إيديولوجي أو سياسي... لأنه مهما كان النظام الاقتصادي أو السياسي الذي نطمح إليه أو نعيش فيه، فإنه لن يلبي حاجة الشعب في العيش في هناء ما دام الفساد هو سيد الموقف. كما أنه مهما كانت الأحلام السياسية التي يطمح حزب ما، أو فئة ما من الشعب، أن يستبدل بها ما هو قائم. فإنه لن ينجح في ذلك ما دام هذا الشعب متعايش مع الفساد في وضعه الحالي
إلا أن البعض الآخر ، وأنا منهم ، يرى أن حال الفساد وصل في الأمة لدرجة لا يمكن تغييره إلا بالقوة ، وتهييج الناس على الحكام وإبراز معايبهم لينفروا عنهم ويثوروا عليهم ...
تاريخيا اذا كثر الفساد في الامم ومنع الاصلاح وصوت الحق وكثر الفقراء والجوعى قامت الثورات .... إنه التاريخ