هل الصحافة جزئية مهمة في العقد الاجتماعي أم لا؟
أقريش رشيد
إشكالية العلاقة بين السلطة السياسية و الصحافة يجب أن تكون محط أنظار تحليل أكاديمية موسعة، يدخل فيها البعد النفسي والاجتماعي و النسق السياسي العام للطرفين معا، للخروج بخلاصة جوهرية ومعرفة حدود العلاقة في العقد الاجتماعي.
هل لسنا كبقية البلدان الديمقراطية إذا تحدثنا عن حرية التعبير التي يكفلها الدستور و التشريع، في البلدان العربية؟ هل الديمقراطية هي ذلك القناع الذي ترتديه الأنظمة لتحقيق مآربها السياسية في فترة من فترات تاريخها السياسي ؟ أم تعني التصور الذهني لنخبة سياسية هي في الأصل مؤسسة على نظرية العائلات و الأسر البورجوازية النافذة والطبقة الارستقراطية التي تتحكم أكثر في دواليب الدولة؟.
إن الصورة النمطية للأنظمة السياسية بالوطن العربي مبنية على نظام العشيرة وهذا شيء بديهي جدا ولا يمكن أن تقبل السلطة السياسية بالمعارض أبدا كيف كان توجهاته السياسية والإيديولوجية، بل المثقف نفسه شكل في فترة معينة انزعاجا للسلطة السياسية، و تعاملت معه الأجهزة الأمنية بالقمع المادي والبنيوي.
المعارض لا يعني سوى منافس للسلطة من الوجهة الديمقراطية أي مبدأ التناوب على التسيير والتدبير، إلا أن هذا لا يحصل دائما في الأنظمة العربية إلا نادرا وبشروط أو تنازلات كبيرة جدا، ما يعني أن السلطة هي محور صراع دائم.
المعارض قد يكون حزبا سياسيا أو عدة أحزاب تعارض طريقة تدبير الحكم ، وقد يكون المعارض مثقفا كما قلنا أي ينتقد الفعل السياسي الذي لا يتماشى مع المتغيرات، المثقف الموضوعي قد يطلق عليه أيضا بالسلطة الرابعة " الصحافة" أي في قالب مدني جديد بعيد جدا عن خلفيات التي قد يحملها تجاه السلطة السياسية، لذلك يلجا إلى الصحافة لاستكمال الإطار العام لاشتغال آليات الديمقراطية، و حتى هذا النمط و هذه الصورة من الديمقراطية لا تستسيغها السلطة السياسية في الأنظمة العربية إذا كانت خارجة عن السرب المألوف للفعل السياسي الذي تتمناه السلطة السياسية، فتصير العلاقة بين الطرفين متوترة جدا، التوتر يصل إلى حد القمع المادي والمعنوي.
من حق الدولة أن تؤدب بعض الأقلام التي تتطاول على المقدسات أو الثوابت لأننا لسنا في بلد تسوده الديمقراطية، بل في مجتمع له خصوصياته و تقاليده وعاداته ولا يمكن لخط التحرير أن يتجاوز هذه الأعراف المألوفة أو أن يخوض في الخطوط الحمراء في المسلمات و البديهيات..
الخط التحريري في المغرب أو الوطن العربي بصفة عامة، محكوم بالقانون واللاقانون هي علاقة مجهول فيها حلقة متينة من العقد الاجتماعي و الثقافي...ومدام طبيعة الحال أو طبيعة البنية السوسيوثقافية موسومة أحيانا بالخضوع للقانون فانه تمت أحينا أخرى خطوطا تصير تحت طائلة المحضور والممنوع المساس به " قانون اللامساس" ..ليصبح القانون الأساسي هو سلطة الدولة نفسها وليس القضاء بل أحينا أخرى تحال الملفات الشائكة من الدولة إلى القضاء لتكتسب شرعية القضاء و المحاكمة.
ما بين الخط الأحمر والخطوط الأخرى شعرة معاوية، معناه أن الخط التحريري في الوطن العربي بين القانون واللاقانون،و كسب المهارات التحريرية المعمول بها بالغرب شيء طبيعي ومحمود وعادي لكن لا يمكن تجسيده في بنية فكرية و ثقافية وسياسية مؤسسة على خلل في العقد الاجتماعي خذ مؤشر " تراجع مستوى التنمية في جميع الميادين للتديل" أي مازال العقد الاجتماعي يراوح مكانه...خذ مثال تراجع مردودية القطاعات الإستراتيجية العامة، اقتصاد الريع، الفوارق الاجتماعية، والدخل الفردي، التباين الجهوي في البنيات التحتية في الوطن العربي ككل، خذ إشكالية التعددية السياسية كيف ينظر إليها من الوجه الأمنية و السياسية للنخب الحاكم.
يفهم من كل هذا أن الفعل الصحفي لن يصل إلى الآذان أو العقول إلا اللم . معناه أن الصحافة أو سلطة الشعب الرابعة هي بين جزئيات لمؤلفة للعقد الاجتماعي المختل أصلا، في هذه الحالة تكون الانتلجينسا في الوطن العربي تعاني إكراها وعنفا معنويا حادا يشعر الرأي العام بغياب الديمقراطية في الأنظمة السياسية العربية