صاغت المجتمعات المتقدمة أنظمة وتصورات وقوانين تحكم قانون الإعلام والصحافة، ويعتبر كل خروج عن تلك القواعد الانضباطية المتواضع عليها، هو الخروج عن المجال المتفق عليه، انطلاقا من الحقوق الأساسية للمواطن والمواطنة، والتجربة المغربية الحديثة، بدورها انضبطت هي الأخرى إلى تصورات قانونية شيدت في مراحل مختلفة من تاريخ المغرب المعاصر، ابتداء من الترسانة القانونية التي وضعت في بداية الاستقلال، وهي ما اصطلح عليه ب: " قانون الحريات العامة "، والتي يحتل فيها قانون الصحافة الجزء الثالث بعد كل من قانوني الجمعيات والتجمعات العمومية، وتم إصدار هذا القانون خلال سنة 1958.
وقد عرف القانون المذكور تغييرات عديدة في مراحل تاريخية مختلفة، كما أقحمت في أتونه إضافات قانونية تساير التطور الكبير لوسائل الإعلام التي عرفت في العقد الأول من الألفية الثالثة انفجارا تكنولوجيا، أسفر عن ظهور حقول إعلامية تضاهي الفورة الكاسحة للمجتمعات مابعد مرحلتي الزراعة والصناعة على حد تعبير"ألفين توفلر".
وقد تناول القانون 15 نونبر 1958 جملة وتفصيلا المقاولة الصحفية الخاصة، واستبعد الإعلام العمومي، لأن هذا الأخير باعتباره مؤسسة إعلامية عمومية فهو محكوم بالقانون الإداري، ويتداخل مجال دراسة المؤسسات الإعلامية بالمغرب بين تخصصات قانونية مختلفة، تنحصر بين ماهو إداري وجنائي، فمدني وتجاري إلى الجانب المرتبط بقانون الشغل، وتشريع الحريات العامة بشكل عام والإعلام بشكل خاص، لا يمكن أن ننكر التأثير الهام للتشريع الاستعماري عليه في مرحلة مابعد الاستقلال في شقه القانوني والمهني.
وقانون الصحافة المغربي في مجمله قانون ليبرالي تقدمي، يندر أن تجد له مثيلا في المحيط الإفريقي والعربي والإسلامي أثناء وضعه سنة 1958، ثم بدأت التعديلات تدخل عليه، وتحد من وهجه الليبرالي، وتبتر أجنحته، إلى أن أصبح في وقت لاحق مثله مثل بقية القوانين الموجودة ضمن محيطه الإقليمي العام، بعد أن شملته تعديلات جوهرية، مست في العمق ما تبقى فيه من محتويات الليبرالية المتقدمة، كما أن الأحداث التي عرفها المغرب في بداية السبعينات، أرخت بظلالها على قانون الإعلام، وأثرت عليه بشكل كبير، ولجأت إلى التقليص من حريته، خاصة بعد أن طرأت عليه تعديلات 10 ابريل 1973.
وإنها لعديدة هي المرات التي طرحت فيها على أن قانون الإعلام والاتصال المغربي، أن يفك ارتباطه بالقانون الجنائي، فقد صدر ظهير الحريات العامة سنة 1958 قبل صدور القانون الجنائي الذي لم يشرع في اعتماده وتطبيقه إلا سنة 1961، مما أوقع قانون الإعلام في نوع من الارتباك، فقد ظل لفترة طويلة تحت تأثير مقتضيات ما ينص عليه القانون الجنائي، وإذا كان المغرب قد عرف تقدما ملحوظا في الجانب القانوني والتشريعي والدستوري والخبرة التقنية ذات الصلة بهذه المجالات، فإن واقع الأمر يحتم عليه تحيين وتصحيح هذا النقص.
وإذا كان قانون الصحافة الجديد الصادر بالجريدة الرسمية بتاريخ 20 يناير 2003 قد لبى بعض المطالب الهامة للصحفيين ونقابتهم وبعض مطالب الجمعيات المدنية، بتخفيضه أو إلغائه لبعض العقوبات الحبسية السالبة للحرية، وأدى إلى خلق ديناميكية ملحوظة مقارنة مع الوضع الجامد للصحافة في الأقطار المغاربية، العربية والإسلامية الأخرى، فإنه لابد من الإقرار أن التشريع المغربي الجديد للإعلام على أهميته، مازال يخضع بين الفينة والأخرى للإجراءات الجنائية التقليدية من الحبس والغرامة، التي ينبغي أن تكون محصورة ومعزولة في حالات بعينها دون أن تتجاوزها إلى غيرها، وتعويض ذلك بالبدائل الأكثر ملاءمة ونجاعة من التدابير الزجرية التي بدأ التوجه الدولي العام يسير في طريق تبنيها واستدماجها في تقنينه التشريعي والقانوني.
والآن، وبعد مرور نحو واحد وخمسون سنة على صدور أول قانون للإعلام بالمغرب، عرفت بلادنا قانون الإعلاميات والأنترنيت وهو تشريع جديد، ونقصد بذلك أنه لا يندرج ضمن ما يشتمل عليه ظهير 15 نونبر 1958 الذي يتكون أساسا من قانون الجمعيات والتجمعات العمومية والصحافة والنشر، وأهم ما ورد فيه الظهير الشريف رقم: 15-09-1 الصادر في 18 فبراير 2009 والخاص بتنفيذ القانون رقم: 08-09 المتعلق بحماية الأشخاص الذاتيين تجاه معالجة المعطيات ذات الطابع الشخصي، وقد جاء في ديباجة الباب الأول، أحكام عامة من المادة الأولى تنص بكون المعلومات في خدمة المواطن، وتتطور في إطار التعاون الدولي، ويجب ألا تمس بالهوية والحقوق والحريات الجماعية أو الفردية للإنسان، وينبغي ألا تكون أداة لإفشاء أسرار الحياة الخاصة للمواطنين، كما تم التنصيص في الفقرة الثالثة، من نفس المادة على معطيات حساسة ذات طابع شخصي يبن الأصل العرقي أو الإثني أو الآراء السياسية أو القناعات الدينية أو الفلسفية، أو الانتماء النقابي للشخص المعني ، أو تكون متعلقة بصحته بما في ذلك المعطيات الجينية، وغيرها مما يدخل في حماية الأشخاص الذاتيين تجاه معالجة المعطيات ذات الطابع الشخصي.
وبعد ذلك، صدر مرسوم رقم 165-09-2 في 21 ماي 2009 ، لتطبيق القانون رقم: 08-09 المتعلق بحماية الأشخاص الذاتيين تجاه معالجة المعطيات ذات الطابع الشخصي، وتضمنت المادة 3 من الباب الأول في المرسوم الإشارة إلى اللجنة الوطنية لمراقبة حماية المعطيات ذات الطابع الشخصي وأنه يتعين أن تتضمن من بين أعضائها، شخصيات مؤهلة لكفاءتها في الميادين القانونية من جهة والقضائية من جهة أخرى، وشخصيات متوفرة على خبرة واسعة في ميدان الإعلاميات بالإضافة إلى شخصيات بارزة لمعرفتها بقضايا تهم الحريات الفردية.
وهكذا يبدو أن قانون الإعلام في المغرب، قد انطبع في مساره التطوري بالتأثيرات الوطنية، ومجريات أحداثها بزخمها الاجتماعي والسياسي المتواصل، وأيضا لتقلبات وصراعات الحرب الباردة، واستجاب من جهة أخرى للموجة الجديدة في حقوق الإنسان وتطوراتها الدولية، لينتقل في بداية القرن الواحد والعشرين إلى التكيف مع المناخ الكوني الجديد، وتحديات العولمة بسلبياتها وايجابياتها، وتهديدها الحقيقي للثقافات الوطنية وهويتها الأصلي