موضوع: الإرهاب أضراره وعلاجه الأربعاء يونيو 15, 2011 2:18 pm
أَكـــدَّ الإسلام على أهميـة ووجوب احترام حقـــوق الإنسان المعنويــه والمادية، وعدم جواز التعدي على حقوق الآخرين أو سلبها، ومن أهم هذه الحقوق: حق الحيـاة، حيث لايجوز للإنسـان أن يقتـل نفســه أو يقتــل غيره، بـل إن الإسلام اعتبر إن قتـل شخص واحــد هو بمثابة قتـــل كـل الناس.
ونعمة الأمن هي من النعم التي يجب الحفاظ عليها، فبدونها يفقد الإنسان الشعور بالراحة النفسية، فيعيش قلقاً خائفاً مما يحيط به من مخاطر ومصاعب، فالإنسان يبحث دوماً عن تحقيق الأمان لنفسه وعائلته ومجتمعه.
ويعد ممارسة الإرهاب والعنف من الوسائل الخطيرة التي تهدد حياة الأبرياء والناس، وتدمر الممتلكات والثروات، وتفقد المجتمع الشعور بالأمن والأمان.
وقد انتشر الإرهاب في كثير من المجتمعات نتيجة لتبني أفراد أو جماعات أسلوب العنف من أجل تحقيق أهدافها وغاياتها، مرتكزة في ذلك على فهم قشري لمفاهيم الإسلام، والانتقائية الخاطئة في الأخذ بالنصوص، وتصدي من ليس أهلاً للفتوى للإفتاء بمارسة العنف والإرهاب، والتساهل في قتل الإنسان، وتدمير الممتلكات مما أدى إلى تزايد الأعمال الإرهابية في كثير من بلدان العالم.
وما يحدث اليوم من أعمال إرهابية ضد الأبرياء في العراق من قتل على الهوية، واستهداف للكبار والصغار، وقتل الأطفال بصورة جماعية كما حدث يوم الأربعاء الماضي 6 جمادى الآخرة 1426هـ الموافق 13 يوليو 2005م هو عمل يندى له جبين الإنسانية، حيث قتل 32طفلاً بريئاً والعشرات من الجرحى.
كما أن ما حدث في لندن يوم الخميس 1 جمادى الآخرة 1426هـ الموافق 7 يوليو 2005م من استهداف الباصات والقطارات، وقتل الأبرياء بالجملة هو عمل يستحق الإدانة والشجب والاستنكار.
إن كل الأعمال الإرهابية التي تستهدف حياة الأبرياء، وتدمير الممتلكات، يجب أن تُدان وتستنكر، لأنها تمثل اعتداء على حق الحياة، وعدوان على حقوق الناس.
أضرار الإرهاب
للإرهاب أضرار كثيرة على الأفراد والمجتمعات الإنسانية... ويمكن أن نشير إلى أبرز هذه الأضرار في الحقائق التالية:
1- قتل الأبرياء:
من أهم أضرار الإرهاب هو قتل الأبرياء من الرجال والنساء والأطفال، وسفك الدماء، وهو من أشد المحرمات في الإسلام، إذ هو عدوان على النفس البشرية التي حَرَّمَ الله قتلها إلا بالحق.
إن قتل الأبرياء لأسباب واهية، أو للاختلاف في الدين أو المذهب أو الفكر يعد جريمة نكراء لا يقبلها عقل أو منطق أو دين.
بل إن القرآن الكريم يعتبر أن قتل إنسان واحد هو بمثابة قتل الجنس البشري بأجمعه، كما أن إنقاذ أي إنسان من الموت، يعد بمثابة إنقاد الإنسانية كلها من الفناء، حيث تقول الآية الكريمة: {مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً} (2).
ويرد هنا سؤال وهو: كيف يكون قتل إنسان واحد مساوياً لقتل الناس جميعاً، وكيف يكون إنقاذ إنسان من الموت بمثابة إنقاذ الإنسانية جمعاء من الفناء؟
ولقد وردت أجوبة عديدة من قبل المفسرين على هذا السؤال... جاء في تفسير (التبيان) ستة أجوبة عليه، وفي (مجمع البيان) خمسة أجوبة، وفي (كنز العرفان) أربعة أجوبة، ولكن بعضاً من هذه الأجوبة يبتعد كثيراً عن معنى الآية.
إن هذه الآية الشريفة، تتحدث عن حقيقة اجتماعية تربوية، لأن من يقتل إنساناً بريئاً ويلطخ يده بدم برئ يكون - في الحقيقة - مستعداً للهجوم على أناس آخرين - يساوونه في الإنسانية والبراءة - وقتلهم وهو - في الحقيقة - إنسان قاتل، وضحيته إنسان آخر بريء - ومعلوم أنه لا فرق بين الأبرياء من الناس من هذه الزاوية.
كما أن أي إنسان يقوم - بدافع حب النوع الإنساني ـ بإنقاذ إنسان آخر من الموت، يكون مستعداً للقيام بعملية الإنقاذ الإنسانية هذه بشأن أي إنسان آخر، فهذا الإنسان المنقذ يحب إنقاذ الناس الأبرياء، لذلك لا فرق بين إنسان بريء وآخر مثله.
ونظراً لكلمة (فكأنما) التي يستخدمها القرآن في هذا المجال، فإننا نستدل بأن موت وحياة إنسان واحد، مع إنه لايساوي موت وحياة المجتمع، إلا أنه يكون شبيهاً بذلك، هذا أولاً.
وثانياً: إن المجتمع يشكل في الحقيقة عضوية واحدة، وأعضاؤه أشبه بأعضاء الجسد الواحد وأن أي ضرر يصيب أحد اعضائه يكون أثره واضحاً ـ بصورة أو بأخرى ـ في سائر الأعضاء، ولأن المجتمع البشري يتشكل من الأفراد، لذلك فإن فقدان أي فرد منهم يعتبر خسارة للمجتمع الإنساني الكبير، لأن هذا الفقدان يترك أثراً بمقدار ماكان لصاحبه لدى وجوده من أثر في المجتمع، لذلك يشمل الضرر عبر هذا المعنى جميع أفراد المجتمع.
ومن جانب آخر فإن إحياء فرد من أفراد المجتمع، يكون لنفس السبب الذي ذكرناه بمثابة إحياء وإنقاذ جميع أفراد المجتمع، لأن لكل إنسان أثر بمقدار وجوده في بناء المجتمع الإنساني وفي مجال رفع احتياجاته، فيكون هذا الأثر قليلاً بالنسبة للبعض وكثيراً بالنسبة للبعض الآخر.
وحين نقرأ في الروايات أن جزاء وعقاب قاتل النفس المحرمة، يكون كجزاء قاتل جميع أفراد البشر، إنما ذلك إشارة لهذا المعنى الذي ذكرناه، ولا يعني أن الناس متساوون مع بعضهم في كل الجهات؛ ولذلك نقرأ في تفسير هذه الروايات - أيضا - أن عقاب القاتل يتناسب مع عدد الأفراد الذين قتلهم تناسباً طردياً قلة وزيادة.
وتبين هذه الآية بجلاء أهمية حياة وموت الإنسان في نظر القرآن الكريم، وتتجلى عظمة هذه الآية أكثر حين نعلم أنها نزلت في محيط لم يكن يعير أي أهمية لدماء أفراد الإنسانية (3).
فالآية الشريفة تدل بوضوح على أهمية احترام النفس الإنسانية، وعدم جواز الاعتداء على الإنسان - أي إنسان - بغض النظر عن دينه أو عرقه أو لغته، فالآية أشارت بوضوح إلى قتل النفس {مَن قَتَلَ نَفْساً} ولم تقل من قتل نفساً مسلمة، وفي هذا دلالة على العموم والإطلاق إلى وجوب احترام النفس الإنسانية، وأن قتل أي إنسان - بغير حق - هو بمثابة قتل الناس جمعياً.
2- تشويه صورة الإسلام:
إن ممارسة الإرهاب من قبل أفراد ينتمون أو يدعون الانتماء للإسلام قد شَوَّه صورة الإسلام في نظر المجتمعات الآخرى، وأعطى هؤلاء صورة خاطئة عن الدين الإسلامي، و المفاهيم الإسلامية، والشريعة السمحاء.
إن القيام بأي عمل إرهابي ضد الأبرياء من الناس يعطي انطباعاً عميقاً وخاطئاً بأن الإسلام يدعو للعنف والكراهية، في حين أن الإسلام دين السلام والمحبة والتسامح.
ولكن الملايين من الكتب التي تتحدث عن التسامح واحترام الآخر في الإسلام لا يمكن أن يساوي تأثيرها في الرأي العام أي عمل إرهابي في خَلق صورة نمطية خاطئة عن الإسلام وقيمه ومبادئه ومثله السامية والنبيلة.
الإسلام الذي جاء رحمة للناس كما قال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ} (4) شوهت صورته وحقيقته ومفاهيمه بفعل الأعمال الإرهابية الوحشية.
3- الإضرار بمصالح المسلمين:
الأعمال الإرهابية تنعكس آثارها على الجميع، ولا تقتصر على من يقوم بها فقط، وقد كان للمارسات الإرهابية التي وقعت في بلاد الغرب أو في بلاد المسلمين تأثيرات سلبية كبيرة على مصالح المسلمين، والإضرار بمكانة المسلمين في العالم، هذا فضلاً عن الخسائر في الأرواح والممتلكات. وهذه الأضرار لاتقتصر على الخسائر المادية؛ بل تشمل الخسائر المعنويةأيضاً، وهذه الخسائر أكثر ضرراً على المستوى البعيد من الخسائر المادية.
4- نشر ثقافة الكراهية بين الشعوب:
ساهمت الأعمال الإرهابية في نشر ثقافة الكراهية والحقد بين الأمم والشعوب، فعمليات القتل والاختطاف والتدمير بحق الأبرياء يخلق شعوراً بالكراهية بين الناس ضد الثقافة الإسلامية، بل وضد الدين الإسلامي نفسه.
والإسلام الذي يدعو للتعارف بين الناس كما قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} (5) والتعارف لا يمكن أن يتحقق إلا في أجواء المحبة والمودة والتسامح بين الناس.
أما الأعمال الإرهابية فتؤدي إلى إيجاد الصراع بين الشعوب والأمم، والتنافر والقطيعة بين البشر وهو خلاف مايدعو إليه القرآن الكريم.
كيف عالج الإسلام الإرهاب؟
في الإسلام منهج متكامل يمنع ممارسة الإرهاب والعنف، ويمكن أن نشير إلى بعض النقاط في هذا المنهج الإسلامي فيما يلي:
1- تحريم القتل والعدوان:
حَرَّمَ الإسلام قتل الأبرياء من الناس سواء كانوا من المسلمين أو من غيرهم، يقول تعالى: {وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللّهُ إِلاَّ بِالحَقِّ وَمَن قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَاناً فَلاَ يُسْرِف فِّي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُوراً} (6)ويقول تعالى: {مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً} (7).
فقتل النفس بغير حق من أشد المحرمات في الإسلام، وفاعل ذلك يستحق العذاب العظيم في الآخرة، والقصاص منه في الدنيا.
وفي سيرة النبي الأعظم محمد بن عبدالله (ص) أكبر الدروس على وجوب عدم التعدي على الآخرين، وعدم التساهل في قتل الناس حتى الأعداء غير المحاربين،وقد استنكر النبي (ص) على أسامة بن زيد تساهله في قتل إنسان تشهد بالشهادتين، تقول الرواية عن أسامة بن زيد قال: بعثنا رسول الله (ص) إلى الحرقات، فصبحنا القوم فهزمناهم ولحقت أنا ورجل من الأنصار رجلاً منهم، فلما غشيناه قال: لا إله إلا الله، فكف الأنصاري وطعنته برمحي حتى قتلته، فلما قدمنا بلغ النبي (ص) فقال: (يا أسامة أقتلته بعد ما قال: لا إله إلا الله؟) قلت، إنما كان متعوذاً، فقال: (أقتلته بعد ما قال لا إله إلا الله؟) فما زال يكررها حتى تمنيت أني لم أكن أسلمت قبل ذلك اليوم.
وفي رواية أخرى قال: بعثنا رسول الله (ص) في سرية فصبحنا الحرقات من جهينة فأدركت رجلاً فقال: لا إله إلا الله، فطعنته فوقع في نفسي من ذلك فذكرته للنبي (ص) فقال: (أقال: لا إله إلا الله، وقتلته؟) قلت: يا رسول الله إنما قالها خوفاً من السلاح؟ قال: (أفلا شققت قلبه حتى تعلم أقالها أم لا؟) فما زال يكررها حتى تمنيت أني أسلمت يومئذ (.
في هذه الرواية نجد أن النبي (ص) يستنكر على أسامة بن زيد استسهال قتل الإنسان، وضرورة حمل عمل الإنسان على الظاهر، وعدم جواز ترتب أي أثر على قراءة النوايا (أفلا شققت قلبه حتى تعلم أقالها أم لا؟!) بالرغم من احتمال أن هذا اليهودي إنما تشهد خوفاً من القتل بالفعل، ولكن النبي (ص) أراد أن يعلم المسلمين درساً في التسامح، وأهمية الأخذ بالظاهر، وعدم جواز قتل الإنسان لمجرد الاحتمال، أو التشكيك في النوايا.
إن من أهم الدوافع التي تدفع بعض الجماعات إلى التطرف في وقتنا المعاصر هو التشكيك في نوايا الناس، وادعاء معرفة بواطن الآخرين، والزعم بامتلاك الحقيقة المطلقة، واستباحة دماء وأموال وأعراض الآخر المخالف مما أدى إلى نمو ظاهرة التطرف والإرهاب.
ومن المهم لكل مسلم أن يتأمل في هذه القصة ملياً، ولنتعلم منها درساً في أن كل من تشهد بالشهادتين فقد عصم ماله ودمه وعرضه. وعن عبدالله بن مسعود قال: إن امرأة وجدت في بعض مغازي النبي (ص) مقتولة، فأنكر رسول ال (ص) قتل النساء والصبيان.
وممن قتل في حنين امرأة من هوازن قتلها خالد بن الوليد فساء رسول الله (ص) قتلها إذ مر بها والناس متقصفون (مجتمعون) عليها.، فقال:ما هذا؟ فقالوا:امرأة قتلها خالد بن الوليد، فقال رسول الله (ص)لبعض من معه: أدرك خالداً فقل له: إن رسول الله ينهاك أن تقتل وليداً أو امرأة أو عسيفاً - أي أجيراً - (9).
في هذه الرواية يستنكر النبي (ص) قتل النساء والأطفال والعبيد، لأن رسالة الإسلام هو نشر الرحمة بين الناس، وليس الانتقام أو الثأر حتى من الأعداء {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} (10).
وروي أنه لما كسرت رباعيته (ص) وشج وجهه يوم أحد شق ذلك على أصحابه شقاً شديداً، وقالوا: لو دعوت عليهم؟
فقال: (إني لم أبعث لعاناً ولكني بعثت داعياً ورحمة، اللهم اهدِ قومي فإنهم لا يعلمون) (11).
إن النبي (ص) يرفض استخدام حتى وسيلة الدعاء على الكفار والمشركين، لأن النبي (ص) كان هدفه هدايتهم إلى الحق وليس القضاء عليهم، فالذين أسلموا كانوا قبل ذلك من الكفار.
وهكذا نرى في هذه القصص والروايات من سيرة النبي صفحات مضيئة من السيرة المباركة لرسول الله (ص)، وكيف أنه كان يؤكد على ضرورة استخدام الوسائل المشروعة للوصول للأهداف السامية والنبيلة. وكان يدعو أصحابه إلى عدم استخدام أية وسائل غير شريفة وإن كان لأهداف شريفة، فصلاح الأهداف لا يبرر فساد الوسائل، بل ينبغي أن تكون الوسائل والأهداف معاً شريفة ونبيلة وربانية.
2- تحريم الانتحار:
كما حرم الإسلام قتل الآخرين، فقد حرم على الإنسان أن يقتل نفسه أيضاً، فلا يجوز للإنسان أن ينتحر، أو يقوم بأي عمل يؤدي بنفسه للقتل، يقول الله سبحانه وتعالى: {وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً @ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَاناً وَظُلْماً فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَاراً وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللّهِ يَسِيراً} (12) وقال الإمام الصادق (ع): (من قتل نفسه متعمداً فهو في نار جهنم خالداً فيها) (13).
كما لا يجوز للإنسان أن يبتر عضواً من أعضائه كقطع يده أو أذنه أو جذع أنفه أو فقء عينه، أو ماشابه ذلك، أو أن يذهب قوة من قواه كقوة عينه فلا يبصر أو أذنه فلا يسمع، أو المرأة تذهب قوة رحمها فلا تنجب (14).
إذ أن هذه الأعمال تعد من إرهاب الإنسان ضد نفسه وحياته، وهو تعدي على حقه في الحياة، فلا يجوز له أن يقضي على نفسه بالانتحار أو التعدي على أحد أعضائه وقواه الرئيسة.
3- وضع عقوبات صارمة:
من أجل الحفاظ على الأمن والأمامن، وضمان حقوق الناس من الاعتداء والتجاوز، فقد وضع الإسلام عقوبات صارمة ضد كل من يعتدي على الناس بالقتل أو العدوان أو السرقة أو الغصب أو النصب وماأشبه ذلك.
فقد شرع الإسلام الحدود والقصاص ضد كل من تسول له نفسه الاعتداء على الناس، وذلك لمنع القيام بأعمال إرهابية أو عنيفة ضد الآخرين، قال الله تعالى:{وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَاْ أُولِيْ الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} (15).
والهدف من الحدود والقصاص والديات هو حفظ الأمن الاجتماعي، وحقن الدماء، ووردع الأشرار من العدوان على حقوق الناس، يقول الإمام الباقر (ع): (القصاص والحدود حقن الدماء) (16) وبهذا القانون الإسلامي يحافظ الإسلام على الأمن في المجتمع، ويمنع من ارتكاب الجرائم أو يقللها على أقل تقدير.
4- الدعوة لتطبيق العدل:
يأمر الإسلام بتطبيق العدل، يقول تعالى: {إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} (17) فالعدل عندما يسود المجتمع، وعندما تطبق العدالة في السياسة الدولية فإن ذلك يؤدي إلى القضاء على الإرهاب والعنف.
والإسلام يأمر بالعدل في كل شيء، في الاقتصاد والاجتماع والسياسة، وحتى في داخل العائلة الصغيرة، لأن العدل هو الذي يخلق الشعور بالاطمئنان، ويساهم في نشر المحبة بين الناس، ومن ثم عندما يسود العدل كل مناحي الحياة تنعدم البيئة المولدة للأعمال الإرهابية والعنيفة، أما عندما يسود الظلم كل جوانب الحياة تتوفر الأرضية الملائمة التي تشجع على نمو الأعمال الإرهابية في المجتمعات البشرية.
والإسلام عندما يدعو للعدل في الحكم والسياسة والاقتصاد والاجتماع والفكر، وكل أبعاد الحياة؛ فلأن العدل قيمة من القيم الثابتة، وهو الذي يشيع السعادة والأمن في المجتمعات الإنسانية، ويقضي على نمو أي فكر أو عمل إرهابي.
5- الدعوة للانفتاح و التسامح:
الإسلام يدعو للانفتاح على الأفكار المختلفة واختيار أحسنها، يقول تعالى: {الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُوْلَئِكَ هُمْ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ} (18) وهذه الآية المباركة تشير إلى حرية الفكر والتفكير في الإسلام، حيث يدعو القرآن الكريم إلى استماع كل الآراء والأفكار ثم اختيار أفضلها وأحسنها عن وعي وتأمل.
يقول الشيخ ناصر مكارم الشيرازي في تفسيره لهاتين الآيتين الشريفتين: الآيتان المذكورتان اللتان وردتا بمثابة شعار إسلامي، بينتا حرية الفكر عند المسلمين، وحرية الاختيار في مختلف الأمور.
في البداية تقول (بشر عباد) ثم تعرج على تعريف أولئك العباد المقربين بأنهم أولئك الذين لا يستمعون لقول هذا وذاك مالم يعرفوا خصائص وميزات المتكلم، والذين ينتخبون أفضل الكلام من خلال قوة العقل والإدراك، إذ لاتعصب ولا لجاجة في أعمالهم، ولا تحديد وجمود في فكرهم وتفكيرهم، إنهم يبحثون عن الحقيقة وهم متعطشون لها، فأينما وجدوها استقبلوها بصدور رحبة، ليشربوا من نبعها الصافي من دون أي جرح حتى يرتووا.
إنهم ليسوا طالبين للحق ومتعطشين لأحسن الكلام وحسب، بل هم يختارون الأجود والأحسن من بين (الجيد) و (الأجود) و (الأحسن) وخلاصة الأمر فإنهم يطمحون لنيل الأفضل والأرفع، وهذه هي علامات المسلم الحقيقي المؤمن الساعي وراء الحق.
في حين أن الكثير من المذاهب الوضعية تنصح أتباعها بعدم مطالعة ومناقشة مواضيع وآراء بقية المذاهب، إذ أنهم يخافون من أن تكون حجة الآخرين أقوى من حجتهم الضعيفة، وهذا ما يسبب فقدان الأتباع الذين قد يلتحق بعضهم بالمذاهب الآخرى الأفضل.
إلا أن الإسلام - كا شاهدنا في الآيات المذكورة أعلاه - ينتهج سياسة الأبواب المفتوحة في هذا المجال، إذ يعتبر المحققين هم عباد الله الحقيقيين، الذين لا يرهبون سماع آراء الآخرين، ولا يستسلمون لشيء من دون أي قيد أو شرط، ولا يتقبلون كل وسواس.
الإسلام الحنيف يبشر الذين يستمعون القول ويتبعون أحسنه، الذين لا يكتفون بترجيح الجيد على السيء، وإنما ينتخبون الأحسن ثم الأحسن من كل قول ورأي. ويوبخ - بشدة - الجهلة الذين يضعون أصابعهم في آذانهم ويستغشون ثيابهم كلما سمعوا صوت الحق، كما ورد في قول نوح عليه السلام عندما شكى قومه للبارىء عز وجل: {وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَاراً} (19).
فمن الطبيعي أن المبدأ ذا المنطق والدليل القوي، لايرهب أقوال الآخرين، ولا يتخوف من طرح آراء تلك المذاهب، لأنه أقوى منها وهي الضعيفة التي ينبغي أن تخافه.
هذه الآية وضعت - في نفس الوقت - أولئك الذين يمتلكون عيوناً وآذاناً عديمة الشعور والإحساس، والذين يتبعون أي قول يقال لهم من دون أي تفكير في مدى صدقه، وحتى أنهم لا يحققون ولا يبحثون فيه بقدر ما تبحث الأغنام عن الغذاء في المراعي، وضعتهم خارج صف (أولو الألباب) والذين (هداهم الله). فهاتان الصفتان تختصان بالذين لم يبتلوا بالاستسلام المفرط من دون أي قيد أو شرط، والذين لم يفرطوا في تعصبهم الجاهلي والأعمى (20).
فالإسلام يشجع الإنسان عن البحث عن الحقيقة والصواب، وهذا يتطلب الانفتاح على الأفكار الأخرى، إذ أن قوة المنطق في الفكر الإسلامي الأصيل تجعله في موقف لايخشى فيه من الاطلاع على الأفكار والثقافات المتنوعة.
ومن جهة أخرى يحث الإسلام على التسامح مع الآخر الديني فضلاً عن الآخر في نفس الدائرة الإسلامية، إذ أن الإسلام دين الرحمة والمحبة، ويربي أتباعه على ذلك، بالتسامح تجاه الآخرين، بل والإحسان إليهم، يقول تعالى: {لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} (21).
إن الانفتاح على الفكر الآخر، والتسامح تجاه الأفكار والأديان الأخرى هو الذي يقضي على حالات التشنج والانفعال، ويقلل من وجود أرضية لنمو فكر الإرهاب والكراهية والحقد في المجتمع.
أما عندما يفرض رأياً واحداً على الجميع، ويسمح لفكر واحد للتعبير عن نفسه، وتمنع الأفكار الأخرى من التداول؛ فهذا يؤدي لنمو التطرف والكراهية تجاه الآخر حتى في ضمن الدائرة الواحدة فضلاً عن الآخر في الدوائر المغايرة.
والإسلام عندما يشجع على الانفتاح والحوار، ويدعو لاحترام الآخر، وضمان حقوق الناس ـ كل الناس ـ، ويحرم القتل والعدوان؛ فإنما يهدف من وراء ذلك لتشجيع التعارف بين الناس، وتنمية الأمن الاجتماعي، والحفاظ على التماسك الاجتماعي، وزرع المحبة والمودة بين كافة البشر،وبذلك ينمو فكر الاعتدال، وتزدهر قيم التسامح والحوار والتعاون، ويتقلص فكر الانغلاق الذي يؤدي للتطرف والإرهاب.