مكافحة الإرهاب و حماية حقوق الإنسان
الفصل الثاني : ضمانات حقوق الإنسان في الجريمة الإرهابية
لما كانت الجريمة الإرهابية تشكل خطرا كبيرا على المجتمع والنظام العام بالنظر لعدد الضحايا المستهدفين بشكل عشوائي أو في حيوية المصالح والمنشآت وكذا المؤسسات المستهدفة وللنتائج الوخيمة التي تخلفها في نفوس السكان وذلك بإشاعة الخوف والترويع والرعب وعدم الاستقرار والشعور بالأمان على حياتهم أو حياة ذويهم، ولعدم قدرة الأجهزة الاستخباراتية والسلطات العمومية في التوقع والتصدي لمثل هذه الأفعال الإجرامية المشينة، وبالنظر أيضا لما تشكله الجريمة الإرهابية من خطورة وخصوصية لكونها مريعة وغير عادية ولا تحتويها المقتضيات العامة للقانون الجنائي. فقد تدخل المشرع كما سبق القول للضرب بقوة على أيدي مرتكبي هذه الجريمة من خلال قانون 03 ـ03، المتعلق بمكافحة الإرهاب شأنها في ذلك شأن التشريعات المقارنة، هذا القانون الذي يتميز بإجراءات مشددة في حق المشبوه فيه بارتكاب جريمة إرهابية أو المساهمة فيها قد تعصف بضمانات المحاكمة العادلة لما يمكن أن تشكله من مساس بالحرية أو السلامة الجسمية أو أحيانا حق الحياة، وذلك منذ بداية البحث إلى ما بعد الحكم.
فقد يصعب التوفيق بين مصلحة المجتمع في تعقب المجرمين وفرض الأمن والنظام العام، ومصلحة المشبوه فيه في عدم المساس بحرياته وحقوقه الشخصية من كل تجاوز، ومن خلال توفير ظروف ملائمة ومثلى للمحاكمة العادلة وتدعيم حقوق الإنسان تماشيا مع مقتضيات الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وكذا المواثيق الدولية الأخرى المتعلقة بحقوق الإنسان كالعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية الذي يقر في مادته التاسعة على أنه : لكل فرد الحق في الحرية والسلامة الشخصية، ولا يجوز القبض على أحد أو إيقافه بشكل تعسفي، كما لا يجوز حرمان أحد من حرية إلا على أساس من القانون وطبقا للإجراءات المقررة فيه”.
وإذا كان من الثابت والمسلم به أن يمنح ويعطى لنظام العدالة الجنائية الوسائل الضرورية والإمكانيات المادية والبشرية وما يستتبع ذلك من إجراءاتها ومساطر وصلاحيات لسلطات البحث الجنائي التي قد تتسع أو تضيف إجراء كما بحسب الجريمة المقترفة. فإنه يجب أن تراعى في ذلك حماية حقوق الأفراد وصون حرياتهم متهمين كانوا أم ضحايا أم شهود، بناء على محاكمة عادلة تتوفر فيها كل الضمانات القانونية وخصوصا قرينة البراءة التي يجب أن تكون الإطار العام لكل الإجراءات المسطرية خلال سائر مراحل البحث التمهيدي (مبحث أول) مرورا بمرحلة التحقيق الإعدادي (مبحث ثان)، وصولا إلى مرحلة المحاكمة بدرجاتها إلى أن يحوز الحكم قوة الشيء المقضي به (مبحث ثالث).
المبحث الأول: إجراءات البحث التمهيدي في الجريمة الإرهابية
لا يتجادل اثنان على أن حق الدولة في توقيع العقاب على الجناة مرتكبي الجريمة الإرهابية منظم في المسطرة الجنائية وذلك وفق شكليات وإجراءات كفيلة بتحقيق العدالة الجنائية حيث يفترض بها أن تضمن احترام حرية المشبوه فيه الفردية وحقوقه في الدفاع.
انطلاقا من مقتضيات المادة21 من ق.م.ج وما يليها، يمكن ملاحظة اختلاف وتعدد طبيعة الإجراءات الشكلية الموكول القيام بها لضباط الشرطة القضائية، وذلك في إطار مسطرة البحث التمهيدي.
حيث أنه بمجرد تلقي الشكاية أو الوشاية، أو يصل إلى علمهم خبر وقوع الجريمة، يتعين على الشرطة القضائية أن تتأكد من وقوعها، وإجراء التحريات الضرورية إضافة إلى جمع الأدلة حولها، والاستماع إلى الشهود أو كل شخص يعتقد انه كان معاصرا لارتكاب الجريمة.
ويلاحظ أن المشرع قد شدد من وضع المشبوه فيه بارتكاب جريمة إرهابية خلال وضعه تحت الحراسة النظرية (مطلب أول)، كما منح لضباط الشرطة القضائية سلطات واسعة خلال قيامهم بتفتيش المنازل (مطلب ثاني).
المطلب الأول: الوضع تحت الحراسة النظرية
سواء تعلق الأمر بالبحث التمهيدي العادي أو التلبسي تبقى الغاية من تسميتها الوضع تحت الحراسة النظرية باعتبارها إجراء تقوم به الضابطة القضائية في إطار قيامها بمهامها، حيث المكلف بالبحث يحرص الشخص الذي اتخذ في حقه تدبير الحراسة النظرية يبقى رهن إشارته وبالقرب منه يراقب حالته النفسية، وتصرفاته، وتصريحاته، وحركاته، ويقوم بتسجيلها ودراستها .
وسنتناول دراسة الحراسة النظرية من حيث مفهومها وإجراءاتها (فقرة أولى) ثم سنتطرق إلى مدة هذا الإجراء في (فقرة ثانية)، وكذا مدى إمكانية اتصال الشخص الموضوع تحت الحراسة النظرية بمحام (فقرة ثالثة) لنصل إلى جزاء الإخلال بأحكام الوضع تحت الحراسة النظرية (فقرة رابعة).
الفقرة الأولى: مفهوم الحراسة النظرية وإجراءاتها
أولا: مفهوم الحراسة النظرية
لم يقم المشرع المغربي بوضع تعريف دقيق للحراسة النظرية، غير أن الفقه لم يحذو حذوه حيث قام بوضع تعاريف للحراسة النظرية وذلك باعتبارها إجراء تمهيدي تقوم به ضابطة الشرطة القضائية، وذلك بمنعها أي شخص مفيد في التحريات من الابتعاد عن مكان وقوع الجريمة إلى أن تنتهي تحرياته. (المادة65/1 من ق.م.ج)
حيث عرفها الدكتور أحمد الخمليشي بأنه :” احتفاظ ضابط الشرطة القضائية في مركز عمله بالمشبوه فيه لحاجيات إجراء البحث التمهيدي أو تنفيذ الإنابة القضائية .
وعرفها ذ.أحمد أجويد بأنها :” إبقاء ضابط الشرطة القضائية للمشبوه فيه رهن إشارته في مركزه لحاجيات البحث التمهيدي .
وعرفها ذ.الحسن هوداية بأنها:” المدة التي تستبقي خلالها الضابطة القضائية تحت تصرفها الشخص المظنون أنه ارتكب الجريمة لأجل حاجيات البحث والتحري ومنعا من اندثار أدلة الإثبات والكل تحت مراقبة النيابة العامة” .
أما الأستاذ عبد الله السليمان فقد عرفها بأنها ” إجراء تتخذه الضابطة القضائية ضد أشخاص مريبين دون أن يكونوا بعد محل اتهام أو أمر بالتوقيف .
في حين عرفها البعض الآخر بأنها :” توقيف الشخص وإبقاؤه رهن إشارة ضابط الشرطة وتحت نظره في مركز عمله خلال مدة يحددها القانون” .
وتجدر الإشارة إلى أن الشخص الموضوع تحت الحراسة غالبا ما يوضع بمكاتب الإدارة التي ينتمي إليها ضابط الشرطة وفي بعض الأحيان يكون هذا الأخير مضطرا لوضع الشخص بمكاتب القيادة أو البشوية أو مراكز القوات المساعدة أو ثكنات الجيش، أو في عربات مصلحته في انتظار الانتقال به إلى إدارته، إضافة إلى ضرورة قيام ضابط الشرطة القضائية بتفتيش وقائي للشخص ويسحب كل ما من شأنه الإضرار بسلامته أو بسلامة الغير، حيث كثيرا ما تقع انتحارات أو اعتداءات سواء على الشخص نفسه أو على الغير.
يتم اللجوء إلى هذا الإجراء القانوني في الأحكام المسطرية المتعلقة بالبحث التمهيدي (المادة80 من ق.م.ج) حيث تمت إضافة فقرات تتعلق بالإجراءات المتعلقة بجرائم الإرهاب بمقتضى القانون الجديد للمسطرة الجنائية رقم01.22 كما تم تتميمه وتغييره بالقانون رقم03.03 المتعلق بمكافحة الإرهاب.
ومن أجل الإحاطة أكثر بمفهوم الحراسة النظرية، نرى أن من الضروري تمييزها عن بعض النظم المشابهة لها، وذلك كإيقاف الشخص وإبقائه من طرف الضابط قصد التأكد من هويته عملا بمقتضيات الفصل62 من قانون الدرك الملكي التي تنص على أن :” للدرك الملكي الحق على الدوام في مراقبة هوية الأشخاص الممكن لقاؤهم وتحقيقها، كما له الحق في إمساكه المدة اللازمة لإجراء هذا التحقيق على أن لا يتجاوز 24ساعة:.
كما يجب تمييزها كذلك عن إجراء الاعتقال الاحتياطي حيث يتم وضع المتهم في السجن أثناء كل أو بعض المدة التي تبدأ بإجراءات التحقيق الابتدائي وحتى صدور الحكم النهائي في التهمة المنسوبة إليه وذلك قبل صدور أي حكم في مواجهته .
يلجأ ضابط الشرطة القضائية إلى الوضع تحت الحراسة قصد تسهيل عمله وتحرياته وغايته إنه إجراء يحول دون فرار الشخص الموضوع تحت الحراسة النظرية، أو للحد من خطورته أو خوفا من تأثيره على سير البحث أو حماية الأدلة والبراهين المستدل منها على الجريمة التي يخشى أن يقوم بإخفاء معالمها أو تغييرها.
وقد اعتبر البعض الوضع تحت الحراسة النظرية حالة شادة بحيث يصعب تصور وضعية وسطى بين حالة الاعتقال وحالة الحرية.
وعلى الرغم من أن اللجوء إلى الوضع تحت الحراسة النظرية لا ينبغي أن يمارس إلا في الحالات المحددة حصرا في القانون، فإن سلطة الضابطة القضائية التقديرية تبقى مع ذلك واسعة جدا انطلاقا من العبارة التي أوردها المشرع “لحاجيات يقتضيها البحث”
ذلك أن المشرع لم يستلزم تعليل الأمر بالوضع تحت الحراسة النظرية، وبالتالي يبقى اللجوء إليه رهين بمزاج الضابط المكلف بالبحث التمهيدي، والذي يفترض فيه الشرف والنزاهة إضافة إلى تمتعه بحس مهني يمكنه من الموازنة بين ضرورات البحث لفائدة العدالة وبين المحافظة على حريات الأفراد وحقوقهم. خاصة وأن الوضع تحت الحراسة أحيانا قد يلحق الأذى بالأبرياء ويسيء إلى سمعتهم وكرامتهم فيصبحوا مدانين من طرف المجتمع، قبل أن تقول العدالة كلمتها في حقهم.
ويختلف الوضع تحت الحراسة النظرية في مسطرة البحث التمهيدي عنه في مسطرة البحث التلبسي في نقطتين:
النقطة الأولى: لا يمكن تمديد الحراسة النظرية في إطار مسطرة البحث التمهيدي إلا إذا دعت ضرورة البحث ذلك، أما في مسطرة البحث التلبسي فلا يمكن تمديد الحراسة النظرية إلا إذا وجدت أدلة خطيرة ومتناسقة ضد الشخص الموضوع تحت الحراسة النظرية.
النقطة الثانية: في إطار البحث التمهيدي لا يمكن تمديد الحراسة النظرية إلا بعد تقديم الشخص لزوما إلى وكيل الملك قبل انتهاء المدة المحددة، وبعد إنصات وكيل الملك إلى قول الشخص المساق إليه يجوز له منح إذن كتابي بتمديد أجل إبقائه تحت الحراسة.
ثانيا: إجراءات الحراسة النظرية
يقصد بإجراءات الحراسة النظرية تلك الشكليات المفروضة على ضباط الشرطة القضائية عند قيامهم بهذا التدبير الماس بحرية الأشخاص، درءا لما يمكن أن يترتب عليه من تجاوزات قد ترتب المسؤولية على المخل بها. وتجدر الإشارة إلى أن هذه الإجراءات المتعلقة بالوضع تحت الحراسة تعتبر واحدة، سواء تعلق الأمر بالبحث التمهيدي أو البحث في حالة تلبس، رغم استهلال المادة80 من ق.م.ج المتعلقة بالوضع تحت الحراسة النظرية في البحث التمهيدي، بضرورة أن يتعلق هذا البحث بجناية أو أجنحة يعاقب عليها بالحبس، وهو تعبير لم تستعمله المادة66 من ق.م.ج المتعلقة بالوضع تحت الحراسة بمناسبة البحث في حالة تلبس. إلا أن هذا الأمر لا يعطي أية خصوصية للوضع تحت الحراسة، في حالة البحث التمهيدي، لأنه رغم أن المادة66 من ق.م.ج المتعلق بالتلبس لم تشترط أن يتعلق الأمر بجناية أو جنحة معاقبة بالحبس لكي يتم الوضع تحت الحراسة النظرية، فإن هذا الشرط يعتبر واجبا بالنسبة للوضع تحت الحراسة في حالة تلبس أيضا عملا بمقتضيات المادة56 من ق.م.ج التي حصرت تعريف حالة التلبس في الجناية أو الجنحة .
إذا كانت الإجراءات المشار إليها في المواد المنظمة لهذا التدبير، بمثابة ضمانات أوردها المشرع من أجل تفادي بعض التجاوزات التي قد تمس بحرية الفرد، فقد أغفل عند إلحاقه الفقرات الخاصة بالقانون رقم 03-03 المتعلقة بمكافحة الإرهاب إلى القانون رقم01.22 تحديد ضمانات خاصة للمشبوه فيه خلال هاته الجرائم حيث اكتفى بالنص على مدة الحراسة النظرية الخاصة بهاته الجرائم (الإرهابية)، وبالتالي يمكن أن نستشف أن المشرع أراد الإبقاء على الإجراءات والشكليات والضمانات المقررة للجرائم الأخرى حيث تم تحديدها على سبيل الوجوب.
إن الضابط يضمن في محضر سماعه أي شخص موضوع تحت الحراسة يوم وساعة ضبطه ويوم وساعة إطلاق سراحه أو تقديمه إلى القاضي المختص، والمقصود من هذا الإجراء هو تمكين النيابة العامة من مراقبة ضباط الشرطة فيما يقومون به من خلال الوضع تحت الحراسة، وضمانا لقانونية الوضع تحت الحراسة أوجبت المادة66 ق.م.ج على ضابط الشرطة القضائية مسك سجل ترقم صفحاته وتذيل بتوقيع من وكيل الملك في كل المجالات التي يمكن أن يوضع الأشخاص فيها تحت الحراسة النظرية، غير أن المشرع أغفل تعيين ما يريد أن يقصد به المجالات حيث استعمل كلمة عامة، فوجود هذا السجل ضروري في كل مركز عائد للشرطة القضائية يحتمل أن يأوي أي شخص تحت الحراسة النظرية، وسبب ذلك وساعة بداية ونهاية الحراسة النظرية ومدة الاستنطاق وأوقات الراحة والحالة البدنية والصحية للشخص والتغذية المقدمة له. ويجب أن يوقع في هذا السجل كل من الشخص الموضوع تحت الحراسة وضابط الشرطة القضائية بمجرد انتهاء فترة الوضع، وإذا كان الشخص غير قادر على التوقيع أو ووضع بصمة يده أو رفض القيام به فإن ضابط الشرطة يشير إلى ذلك.
ومن أجل ضمان فعالية هذا الإجراء أوجبت المادة66 من ق.م.ج عرض هذا السجل على وكيل الملك للاطلاع عليه ومراقبته والتأشير عليه مرة كل شهر على الأقل.
إن ضابط الشرطة القضائية لا يكون حرا في اللجوء إلى هذا الإجراء وإنما هو مراقب من قبل النيابة العامة حيث تنص الفقرة الثانية من المادة 16من ق.م.ج على :” يسير وكيل الملك أعمال الشرطة القضائية في دائرة نفوذه”، حيث يمكن للنيابة العامة أن تقوم بوضع حد للحراسة النظرية أو أن تأمر بإحضار الشخص المحتجز أمامها.
كما أوجبت المادة67 انه بمجرد وضع المشبوه فيه تحت الحراسة النظرية، يتوجب على ضابط الشرطة القضائية أن يقوم أولا، بإشعار عائلته بهذا الإجراء فور اتخاذ قرار وضعه تحت الحراسة بأية وسيلة من الوسائل المكنة ويشير إلى ذلك في المحضر، حيث يمكننا أن نعلل هذا الإجراء بأنه يهدف إلى طمأنة عائلة الشخص الموضوع تحت الحراسة بوجوده، لأن غيبته دون سابق إشعار أو إنذار يثير قلق عائلته عليه. وثانيا، أوجبت هذه المادة على ضابط الشرطة القضائية أن يوجه لائحة بأسماء الأشخاص الذين تم وضعهم تحت الحراسة النظرية خلال الأربع والعشرين ساعة يوميا إلى النيابة العامة.
وكما سبقت الإشارة إلى ذلك من قبل يمكن لضابط الشرطة القضائية إجراء تفتيش جسدي على كل شخص ثم وضعه تحت الحراسة النظرية وذلك من أجل تجريده من أي وسيلة قد تكون سببا في أديته أو أدية غيره.
ومن مستجدات قانون المسطرة الجنائية هو الأخذ بضمان حرمة المرأة عند التفتيش وذلك بمنعه ضابط الشرطة القضائية من تفتيش المرأة إذا كان الضابط رجلا.
وإذا دعت الضرورة إلى تفتيش المرأة فإن ضابط الشرطة ينتدب امرأة لتقوم بمهمة التفتيش ما لم يكن بطبيعة الحال ضابط الشرطة امرأة.
عند ملاحظة هذه الإجراءات الجديدة نجدها على قدر كبير من الأهمية لأنها تضمن حقوقا للشخص المعتقل وتحميه من تعسف ضابط الشرطة، لكن الأمر رهين بفعالية وتفعيل هذه النصوص، فليست العبرة بالنصوص وتعددها وإنما العبرة بإعمالها إعمالا حسنا وقانونيا .
وبدوره نص المشرع الفرنسي على مثل هاته الضمانات أو الإجراءات الأساسية للمشبوه فيه الموضوع تحت الحراسة، وذلك من خلال المواد 157-158-159-160-161-162 شأنه في ذلك شأن المشرع المغربي . إلا أن السؤال الذي يلقى بظلاله علينا هو أساسا ما يتعلق بالمدة القانونية لهذا التدبير.
الفقرة الثانية: مدة الوضع تحت الحراسة النظرية
خضعت فترة الحراسة النظرية لتعديلات أساسية كان القصد من هذا التعديل التقليص من فترتها احتراما لحقوق وكرامة الإنسان، حيث ليس من المنطق احتفاظ ضابط الشرطة القضائية بمشبوه فيه مدة زمنية تم يحال على المحكمة وتحكم هذه الأخيرة ببراءته.
كانت هذه المدة محددة بمقتضى ظهير1959 حسب المادة68 و82 من المسطرة الجنائية ب48 ساعة مع السماح للنيابة العامة بتمديدها مرة واحدة لمدة 24ساعة وذلك بإذن كتابي من طرفها، وتضاعف هذه الآجال في حالة التلبس بجناية أو جنحة تتعلق بأمن الدولة الداخلي أو الخارجي، حيث تصل مدة الوضع تحت الحراسة في هذه الجرائم إلى 96ساعة، تمدد 48ساعة، وهذا ما حدا بجميع أنصار الحقوق والحريات إلى التصفيق لما أورده هذا القانون.
غير أن هذا التصفيق لم يدم إلا ثلاث سنوات ونصف، حيث صدر بعد ذلك ظهير 18شتنبر1962 الذي ضاعف مباشرة تلك المدة إذ رفعها من 48 ساعة إلى 96ساعة قابلة للتمديد مرة واحدة لمدة 48ساعة (أي 6أيام في المجموع)، وإلى الضعف عندما يتعلق الأمر بالجنح والجنايات الماسة بأمن الدولة مع إمكانية تمديدها (أي 12يوما)، وقد ألحق هذا التعديل ضربة قاسية بمجال الحريات الفردية في المغرب بحيث دام هذا الوضع إلى غاية1991 بحيث ثم التراجع عن ذلك الوضع والعودة إلى الوضعية الأولى، أي ما بين1959 و1962. وقد كان لهذا التراجع أسباب داخلية وخارجية معروفة انبثقت عن مقترحات المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان الذي ثم تأسيسه في 8ماي1990 تحت عدة ضغوط من منظمات وطنية والتي كانت متعطشة إلى إقامة جو عالمي تتوطد فيه دعائم وحقوق الإنسان .
واستجابة لحقوق الإنسان، ورعيا لكرامته نزل المشرع المغربي بفترة الوضع تحت الحراسة النظرية إلى حد معقول ومقبول، جعلها بمقتضى تعديل :3-12-1991 وذلك في المادتين 68 و82 من المسطرة الجنائية حيث جعلها في 48ساعة تمدد في حالة الضرورة لمدة واحدة 24ساعة بإذن كتابي من النيابة العامة. وفي جرائم أمن الدولة تقدر هاته الفترة ب96 ساعة تمدد مرة واحدة لمدة مساوية لها أي لأربعة أيام فيصير مجموع فترة الوضع تحت الحراسة النظرية في جرائم أمن الدولة الداخلي 8أيام. وفي جرائم أمن الدولة الخارجي الخاضعة لاختصاص محكمة العدل العسكري 10أيام تمدد كلما تطلب الأمر ذلك.
وبموجب قانون 01.22 المتعلق بالمسطرة الجنائية استقرت فترة الوضع تحت الحراسة النظرية على 48ساعة قابلة للتمديد مرة واحدة ب 24ساعة.
وإذا كان القانون قد خول لضباط الشرطة القضائية أثناء قيامهم بالمعاينات الاحتفاظ بشخص أو عدة أشخاص ليكونوا رهن إشارتهم فلهم أن يضعوهم تحت الحراسة النظرية، لكن لا بد من الحصول على إذن كتابي من النيابة العامة، ويتعين تقديمه لزوما إلى وكيل الملك أو الوكيل العام للملك قبل انتهاء فترة الوضع تحت الحراسة (48ساعة).
غير أنه إذا ارتأى ضابط الشرطة إبقاء المشبوه فيه أكثر من 48ساعة لضرورات البحث،فعليه أن يحصل على إذن بذلك من النيابة العامة بتمديد فترة الوضع تحت الحراسة لمرة واحدة ولمدة 24ساعة كما أشارت المادة80 من ق.م.ج.
وإذا تعلق الأمر بجريمة إرهابية أو بالجرائم المشار إليها في المادة108 من قانون22.01 (المعدل والمتم بمقتضى القانون رقم 03 ـ 03) المتعلق بمكافحة الإرهاب) فإن مدة الوضع تحت الحراسة النظرية تحدد في 96ساعة قابلة للتمديد مرتين لمدة 96ساعة في كل مرة، بناءا على إذن كتابي من النيابة العامة. ويلاحظ أن قانون مكافحة الإرهاب أطال فترة الوضع تحت الحراسة النظرية، لعلة أن الإرهاب خطير يستوجب القيام بتحريات طويلة لما تصدره هذه الجريمة من رعب وخوف وانعدام الاستقرار والأمن بين الناس وهو ما يستوجب القيام بتحريات طويلة ومفيدة وربما قد تكون طويلة ومعقدة.
وإذا ما لاحظنا المشرع الفرنسي وحسب القواعد العامة التي قررتها المواد 63-77-145 من قانون الإجراءات الفرنسي ، يتبن لنا أنها لا تجيز حجز المشبوه فيه على ذمة هذه الإجراءات أكثر من 24ساعة يجوز أن تمدد إلى 24ساعة أخرى وذلك في الجرائم العادية.
وفيما يخص الإجراءات التي يتم اتخاذها في الجرائم المتعلقة بالإرهاب، مدد قانون الإجراءات الفرنسي من مدة الحراسة النظرية إلى 48ساعة أخرى، على عكس المشرع المغربي الذي تصل بموجبه مدة الحراسة النظرية إلى 12يوما في حالة تمديدها، حيث تصل هذه المدة في القانون الفرنسي إلى 4أيام فقط.
وفيما يخص الإجراءات التي ينص عليها المشرع المصري وذلك انطلاقا من الفقرة4 و5 و6 من المادة 7مكرر ، حيث يمكن للنيابة العامة أن تمنح الإذن لمأمور الضبط بالقبض على المتهم لمدة لا تتجاوز سبعة أيام وكذا إجبارها على استجواب المتهم المقبوض عليه بعد انتهاء المدة المشار إليها في الفقرة الثالثة من المادة المذكورة وذلك في ظرف 72ساعة من عرضه عليها ثم تأمر بحبسه احتياطيا أو إطلاق سراحه وبالتالي تكون المدة الكاملة هي 10أيام وتكون مع ذلك أقل قساوة من المشرع المغربي الذي مددها إلى 12يوما.
والظاهر أن الحكومة المغربية انتهزت فرصة الأحداث الدولية والوطنية (أحداث 16ماي2006) من أجل إحكام قبضتها من جديد على مجريات الأمور تحت غطاء مكافحة الإرهاب والتراجع عن المكتسبات التي حققها المجال الحقوقي في إطار المسطرة الجنائية الجديدة .
فهل الجريمة الإرهابية بمفهومها غير الواضح أخطر من جرائم أمن الدولة حتى يتم سلب جميع الضمانات المرتبطة بالحراسة النظرية لمرتكبيها. وما هي إمكانية اتصال المشبوه فيه الموضوع تحت الحراسة النظرية بمحام لمؤازرته؟
الفقرة الثالثة : الاتصال بمحام
من بين المستجدات التي جاء بها قانون رقم 22.01المتعلق بالمسطرة الجنائية، إمكانية اتصال الشخص الموضوع تحت الحراسة النظرية عند تمديدها بمحام، فقد نصت في الفقرات 4-5-6-7 من الفصل66 من نفس القانون على هذه الإمكانية حيث وضعت مجموعة من الإجراءات التي يجب احترامها ووضعت كذلك شروط وآجال لا يجب تجاوزها.
وقد اختلفت الآراء بخصوص إمكانية اتصال المشبوه فيه بمحام خلال البحث التمهيدي حيث تعددت هذه الآراء واختلفت وثم تقسيمها إلى ثلاث اتجاهات متباينة:
الاتجاه الأول : من بين المتبنين لهذا الاتجاه نجد إيطاليا والولايات المتحدة الأمريكية، حيث تؤكد على أحقية المشتبه فيه في الاستعانة بمحام أمام الشرطة حيث تم إلزامها باحترام هذا الحق، وقد تم إدراجه ضمن الدستور الذي يعد أسمى وثيقة للبلاد واعتبرت عدم احترامه خرقا لقاعدة دستورية، وهو ما يبين أهمية هذه المرحلة وما قد تكون لها من تأثير على مصير ومستقبل المحاكمة العادلة حيث يتم تنبيه المشتبه فيه إلى إمكانية استعماله لهذا الحق.
الاتجاه الثاني: نجد من بين الدول التي تعمل بهذا النظام كل من ألمانيا وفرنسا، وذلك أن هذا الحق ليس مطلقا وإنما تقتصر على جوانب محددة حيث نجد المشرع الألماني يقصر حق المحامي في المراقبة فقط أي أن دوره يعتبر سلبيا، أما المشرع الفرنسي فحدد دور المحامي في الحديث مع المشبوه فيه واعتبر حضور المحامي مشروطا بمرور أجل 20ساعة من الوضع تحت الحراسة النظرية.
الاتجاه الثالث: يمنع هذا الاتجاه المشتبه فيه من الاستعانة بالمحامي من خلال البحث التمهيدي، ومن بين أنصار هذا الاتجاه الذي ينص على هذا المنع بشكل صريح مثل المشرع المصري، كما يمكن ملاحظة أن المشرع المغربي قد قيد الاتصال بمحام بتمديد الحراسة النظرية، ومن بين المبررات التي يقدمها أصحاب هذا الاتجاه هو كون مرحلة البحث تتميز بطابع السرية.
وبالعودة إلى قانون المسطرة الجنائية المغربي نجد من بين الشروط والشكليات التي حددها المشرع من أجل تمتيع المشتبه فيه بهذا الإجراء، وذلك إن تم تمديد فترة الحراسة النظرية وأن ينصب المشتبه فيه محاميا عنه خلال هذه المرحلة، حيث أن المشبوه فيه هو الذي يقوم بطلب تنصيب محام من ضابط الشرطة القضائية، كما يحق للمحامي في حالة نيابته عن الشخص الموضوع تحت الحراسة النظرية أن يطلب من النيابة العامة الترخيص له بالاتصال بالشخص المذكور، وذلك ابتداء من الساعة الأولى من فترة تمديدها ويتم الاتصال لمدة زمنية محددة لا تجاوز 30دقيقة، تحت مراقبة ضابط الشرطة القضائية وذلك في ظروف تكفل سرية المقابلة أي دون سماع عناصر الشرطة لما يدور من أحاديث، غير أنه إذا تعذر على المحامي الحصول على الترخيص المطلوب لبعد المسافة، فإن ضابط الشرطة يأذن بصفة استثنائية للمحامي بالاتصال بالشخص الموضوع تحت الحراسة النظرية، ويدفع على الفور تقريرا بهذا الشأن إلى النيابة العامة، حيث يمكن استعمال وسائل الاتصال المتوفرة في مثل هذه الحالات بين الشرطة القضائية والنيابة العامة كالفاكس أو الهاتف.
كما يحق للنيابة العامة أن تؤخر الترخيص للمحامي بهذا الاتصال، وذلك بناء على طلب من ضابط الشرطة القضائية إذا ارتأى من هذا التأخير ضرورة البحث خصوصا في الجرائم المنصوص عليها حصرا غفي المادة108 من ق.م.ج والتي تتعلق بجرائم أمن الدولة، أو العصابات الإجرامية… وإذا تعلق الأمر بجريمة إرهابية، ولا يمكن أن يتجاوز التأخير 48ساعة وهذا حيث يمكن التمديد في الحالة الأخيرة (أي الجريمة الإرهابية) مرتين (96ساعة كل مرة) بالإضافة للمدة الأصلية 96ساعة أيضا، ولكن الاتصال يتم في بداية التمديد الأول أي بداية من الساعة97 منذ بداية الوضع تحت الحراسة أو على الأكثر في حالة تأخيره من طرف النيابة العامة بعد الساعة144 من بداية الوضع تحت الحراسة أي 96+48 ساعة على الأكثر .
وتجدر الإشارة إلى أنه يمكن للمحامي المرخص له بالاتصال مع الشخص الموضوع تحت الحراسة النظرية، أن يقدم أثناء مدة تمديدها وثائق أو ملاحظات كتابية للشرطة القضائية أو للنيابة العامة قصد إضافتها للمحضر مقابل إشهاد بذلك، كما يمنع على المحامي إخبار أي شخص بما راج خلال الاتصال بموكله قبل انتهاء مدة الحراسة النظرية.
كما تجدر الإشارة كذلك إلى أنه يحق للشخص أن يعين محام من اختياره للاتصال به في حالة تمديد الحراسة، كما يمكن أيضا للمحامي الذي ينتصب للدفاع عن الشخص الموضوع تحت الحراسة أن يطلب الاتصال بالشخص المعني بالأمر غير أنه من الطبيعي إذا لم يرغب الشخص الموضوع تحت الحراسة في الاتصال بمحام فإنه إرادته هي التي تطبق مادام الأمر يتعلق بحق من حقوقه، كما أن مدة الاتصال لا يجب أن تتجاوز 30دقيقة في جميع الأحوال حتى لو تعدد عدد المحامين.والسماح للشخص الموضوع تحت الحراسة النظرية بالاتصال بمحام يدخل في باب الحقوق المتفرعة عن المحاكمة العادلة، لأنه يمكن هذا الشخص من حقه في طلب المساعدة من محام يختاره بنفسه لحماية حقوقه وإثابتها والدفاع عن مصالحه في جميع مراحل البحث الذي تجريه الشرطة القضائية وهو ما من شأنه أن يتيح للشخص الموضوع تحت الحراسة تمكين محاميه في وقت مبكر من معلومات ومعطيات عن القضية تساعده في تهيئ دفاعه عنه مبكرا .
وها هو القضاء الفرنسي قرر بطلان مسطرة البحث نتيجة عدم احترام حق الاتصال بالمحامي باعتباره خرقا لحق الدفاع تطبيقا لأحكام المادة802 من ق.م.ج الفرنسي التي تدعو المحاكم إلى التصريح بالبطلان إذا نتج عنه مساس الشخص الموضوع تحت الحراسة الذي تمسك بهذا الحق في الحالات التي يرتب فيها القانون هذا الجزاء على خرق الشكليات المسطرية أو عدم احترامها .
إن خرق هذا المقتضى بالإضافة إلى أنه يخرق المقتضيات المقررة لتنظيم المحاماة الذي يعطي لوكالة المحامي مجالا واسعا في سبيل تحقيق شروط المحاكمة العادلة، فإنه يحد من حقوق دفاع المتهم وذلك بالحيلولة دون وصول المحامي إلى وسائل الدفاع قبل اندثارها أو إهمالها وتحريفها، كما يحرم المتهم من الضمانات الدنيا المقررة، وخاصة منها منحه تسهيلات لإعداد دفاعه وعدم إكراهه على الشهادة أو الاعتراف على نفسه. فهل قرر المشرع المغربي جزاء للإخلال بأحكام الوضع تحت الحراسة النظرية كما فعل المشرع الفرنسي؟
الفقرة الرابعة: جزاء الإخلال بأحكام الوضع تحت الحراسة النظرية
فترة الوضع تحت الحراسة مدة قانونية لا يجوز للضابط أن يتجاوزها، ولا أدل على ذلك من أن القانون أوجب عليه -كما سبق- التقيد ببعض الشروط… وكلها ضمانة أكيدة حتى يتم الوضع تحت الحراسة في إطاره القانوني الصحيح، وكل تجاوز عن مدته يعتبر خرقا للقانون، وبالتالي يكون الضابط قد تعسف في استعمال السلطة، والشطط في استعمال السلطة يعاقب عليه القانون الجنائي بالتجريد من الحقوق الوطنية .
غير أن المشرع لم ينص صراحة على جزاء الإجراء للإخلال بأحكام الحراسة النظرية، وإن كان قد أفرد نصوصا قانونية جديدة تجرم فعل الإعتقال التعسفي و تعاقب عليه.
وذلك خلافا للمادة63 من ق.م.ج المتعلقة بالتفتيش، والتي يقرر ضرورة احترام الإجراءات المنصوص عليها في الفصول59 و60 و62 من ق.م.ج تحت طائلة بطلان الإجراءات المعيبة وما قد يترتب عنه من إجراءات لاحقة .
ونظرا لأن قانون المسطرة الجنائية الجديد تبنى بخصوص هذه النقطة موقف قانون المسطرة الجنائية الملغى، فإن الخلاف سيظل قائما بين الفقه والقضاء. ففي الوقت الذي يرى فيه الدكتور أحمد الخمليشي “بأن كل تجاوز لفترة الوضع تحت الحراسة يؤدي إلى بطلان محضر البحث التمهيدي سواء كان التجاوز من الضابط أو بناء على تمديد غير قانوني” فإن أحكام القضاء المغربي تذهب خلاف ذلك.
وقد جاء في قرار للمجلس الأعلى: ومن جهة أخرى فإن القواعد المتعلقة بالوضع تحت الحراسة النظرية لم يجعلها القانون تحت طائلة البطلان، وعليه فلا يمكن أن يترتب عنها البطلان إلا إذا تبث أن عدم مراعاتها جعل البحث عن الحقيقة وإثباتها مشوبين في بعيوب في الجوهر .
كما جاء قرار للمجلس الأعلى: “لئن كان قانون المسطرة الجنائية (الملغى) قد حدد في الفصلين68 و69 منه مدة الوضع تحت الحراسة النظرية وعبر عن ذلك بصيغة الوجوب فإنه لم يرتب جزاء البطلان عن عدم احترام ذلك كما فعل بالنسبة للمقتضيات المنصوص عليها في الفصول61 و62 و64 و65 منه إذ قد يتعذر تقديم الشخص في الوقت المحدد لأسباب تتعلق بالبحث كما هو الحال في النازلة التي تطلبت القيام بعديد من المعاينات وليس في هذا ما يمكن اعتباره خرقا لحقوق الدفاع أو مس بحرية الأشخاص” .
وإذا كان المشرع لم يرتب جزاء البطلان على خرق شكليات وقواعد الحراسة النظرية، فإن مقتضيات المادة751 من قانون المسطرة الجنائية تبقى قابلة للتطبيق على خرق تلك الإجراءات، وتنص هذه المادة على أن كل إجراء يأمر به قانون م.ج، ولم يثبت إنجازه على الوجه القانوني يعد كأنه لم ينجز. ويؤدي ذلك إلى اعتبار كل إجراء أنجز خرقا للقواعد المنظمة لمسطرة الحراسة النظرية عديم الأثر وكأن لم يكن. وبمثابة ذلك الاستماع إلى شخص بعد نهاية فترة الحراسة النظرية، أو مواجهته مع الغير وهو معتقل وبعد نهاية المدة القانونية للحراسة النظرية، فيعتبر محضر الاستماع أو المواجهة كأن لم ينجزا لأنهما أنجزا خرقا للقانون .
ولعل المجلس الأعلى يكون قد تأثر بالاجتهاد القضائي الفرنسي الذي اعتبر أن عدم احترام الإجراءات المتعلقة بالوضع تحت الحراسة لا يؤدي إلى بطلان المسطرة عندما لا يظهر أن هذا الإجراء قد تسبب في تعييب البحث عن الحقيقة، وإما بالتأويل للفصل751 من ق.م.ج الذي ينص على أن :” كل إجراء أمر به هذا القانون ولم يثبت إنجازه على الوجه القانوني يعد كأن لم ينجز”.
وبالعودة إلى وجهة نظر الفقه، يرى الأستاذ “العلمي عبد الواحد” أنه لا يمكن الاقتصار على بطلان المحضر الذي لم تحترم فيه المدة القانونية للوضع تحت الحراسة النظرية لكونه معيبا شكلا، بل أجاز تحريك الدعوى العمومية ضد ضباط الشرطة القضائية الذين يلجؤون إلى هذا الإجراء بصورة تحكمية ضد المشبوه فيه الموضوع تحت الحراسة.
وهو نفس الاتجاه الذي ذهب إليه الأستاذ “محمد عياط” حيث يرى بأن إغفال المشرع لتبيان الأثر المترتب على الإخلال بأحكام الوضع تحت الحراسة النظرية بنص صريح، فيه تقصير غير معقول خاصة إذا قارنا ذلك الموقف بموقفه من أحكام التفتيش، حيث كان عليه أن يساوي الإخلال بأحكام الوضع تحت الحراسة صراحة بأحكام التفتيش من حيث الآثار المترتبة عليها وهو البطلان.